كتاب (فقه السّنّة) وأثره في تفقيه شباب الصّحوة المعاصرة
  • 2020-02-01

كتاب (فقه السّنّة) وأثره في تفقيه شباب الصّحوة المعاصرة

(هذا الكتاب يتناول مسائل من الفقه الإسلاميّ مقرونة بأدلّتها من صريح الكتاب وصحيح السّنّة، وممّا أجمعت عليه الأمّة، وقد عُرضت في يسر وسهولة، وبسط واستيعاب لكثير ممّا يحتاج إليه المسلم، مع تجنّب ذكر الخلاف إلاّ إذا وُجد ما يسوّغ ذكره فيشير إليه، والكتاب في مجلَّداته مجتمعة يعطي صورة صحيحة للفقه الإسلاميّ الّذي بعث الله به محمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم ويفتح للنّاس باب الفهم عن الله ورسوله، ويجمعهم على الكتاب والسّنّة، ويقضي على الخلاف وبدعة التّعصّب للمذاهب، كما يقضي على الخرافة القائلة بأنّ باب الاجتهاد قد سُدّ. وهذه محاولات أردنا بها خدمة ديننا، ومنفعة إخواننا، ونسأل الله أن ينفع بها).
بهذه الكلمات قدّم الشّيخ السّيّد سابق للنّاس كتابه (فقه السّنّة) وحدّد من خلالها منهجه في تناول مسائل الفقه، وذلك يتمثّل فيما يلي:
1- الاستناد إلى أدلّة القرآن والسّنّة والإجماع.
2- الحرص على بيان الحكمة من التّشريع مع تعليل الأحكام.
3- تبسيط العبارة للقارئ بعيدًا عن تعقيد المصطلحات.
4- طرح التّعصّب للمذاهب مع الاستفادة منها وعدم تجريحها.
5- الميل إلى التّيسير على النّاس والتّرخيص لهم فيما يقبل التّرخيص.
6- البعد عن ذكر الخلاف إلاّ ما لا بدّ منه، فيذكر الأقوال في المسألة ويختار الرّاجح في الغالب، وأحيانًا يترك المسألة دون أن يرجّح رأيًا حيث لم يتّضح له الرّاجح أو تكافأت عنده الأقوال والأدلّة، فيرى من الأمانة أن يدع الأمر للقارئ ولطالب العلم يتخيّر من الأقوال ما يليق بحاله أو يسأل عالمًا آخر.

-1-
وقد اعتمد السّيّد سابق في كتابه هذا على كتب فقه الحديث الّتي تُعنى بالأحكام مثل (سبل السّلام) للصّنعاني و(نيل الأوطار) للشّوكاني، واستفاد من كتب الشّروح ككتاب (فتح الباري) الّذي شرح فيه ابن حجر العسقلاني صحيح البخاري، إضافة إلى عدد من المصادر الفقهيّة مثل كتاب (المغني) لابن قُدامة و(المجموع) للنّووي و(زاد المعاد) لابن القيّم.
لقد سدّ كتاب (فقه السّنّة) فراغًا في المكتبة الإسلاميّة في مجال الفقه الّذي لا يرتبط بمذهب من المذاهب، وأقبل عليه شباب الصّحوة الإسلاميّة في عصرنا ولا سيّما الّذين لم يُنشّؤوا على الالتزام بمذهب معيَّن، كما وجد فيه المثقّفون بغيتهم وكان مصدرًا سهلًا لهم يرجعون إليه كلّما احتاجوا إلى مراجعة مسألة من المسائل الفقهيّة.
وأذكر أنّه قبل عدّة سنوات طلب منّي عدد من الإخوة – بعضهم موظّفون وبعضهم طلبة جامعيّون – أن أقيم لهم حلقة فقه أسبوعيّة، واقترحوا دراسة كتاب (فقه السّنّة)، وقد استجبت لطلبهم واستحسنت مقترحهم، فكنّا نلتقي أيّام السُّبُوت بعد صلاة العشاء في مسجد الرّحمة بالمحرّق، واستمرّت الحلقة ستّ سنوات (2007–2013م) حتّى أنهينا الكتاب كلّه بحمد الله تعالى.
لقد صدر الجزء الأوّل من كتاب (فقه السّنّة) سنة 1365هـ / 1945م، وظلّ مؤلّفه يوالي الكتابة فيه ويخرج كلّ فترة جزءًا من القطع الصّغير، حتّى اكتمل بعد عشرين سنة في أربعة عشر جزءًا، ثمّ صدر بعد ذلك في ثلاثة أجزاء كبيرة، ومنذ سنوات صدر في جزء واحد كبير عن دار الفتح للإعلام العربيّ بالقاهرة.
لقد حظي هذا الكتاب بالشّهرة في عصرنا والانتشار الواسع، حتّى بيع منه أكثر من عشر ملايين نسخة، عدا النّسخ غير الشّرعيّة الّتي طبعت بدون إذن من المؤلّف.
وتقديرًا لهذا الجهد الكبير الّذي بذله السّيّد سابق في هذا الكتاب والنّفع الغزير الّذي حصل من ورائه، فقد نال جائزة الملك فيصل رحمه الله في الفقه الإسلاميّ
-2-
في احتفال أقيم في الرّياض برعاية الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله سنة 1413هـ.
وكأيّ جهد يصدر عن إنسان، فقد انتقد كتاب (فقه السّنّة) بعض المشايخ المذهبيّين، الّذين اعتبروه داعية إلى (اللاّمذهبيّة). والحقّ أنّ مؤلّف الكتاب – وإن لم يلتزم مذهبًا بعينه – لا يعدّ من دعاة اللاّمذهبيّة، لأنّه لم يذمّ المذاهب ولم ينكر على النّاس اتّباعها، وكلّ من طالع كتابه وجده يكثر النّقل عن أئمّة المذاهب المتبوعة ويسترشد بآرائهم واجتهاداتهم في كثير من المسائل الّتي عرض لها، ولكنّه سلك هذا النّوع من التّأليف اعتقادًا منه بأنّه ضرورة للمسلم المعاصر الّذي لا يريد أن يربط نفسه بمذهب معيَّن، كما أنّ هذا النّوع من التّأليف أليق بالمسلم الجديد الّذي يدخل الإسلام دون التزام كذلك بمذهب فقهيّ معيَّن.
على أيّة حال هي محاولة – مثل سائر المحاولات – الّتي يهدف أصحابها من ورائها لعرض الفقه في ثوب جديد وبأسلوب جديد،حتّى يتيسّر للنّاس قراءته، ويسهل عليهم دراسته، ومن المألوف أنّ كلّ محاولة في هذا المجال قد تروق لأناس ولا تروق لآخرين، فهي جهد بشريّ، ولكلٍّ وجهة هو مولّيها، ولكلّ امرئ ما نوى.
ورأيي أنّ هذا الكتاب ربّما لا يصلح لاعتماده مرجعًا لطلبة كلّيّات الشّريعة وأصول الدّين والمتخصّصين في الدّراسات الإسلاميّة، ولكن يمكن الاستفادة منه في تدريس عموم المسلمين والمثقّفين منهم.
وقد خدم هذا الكتاب المحدِّث الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألباني وخرّج أحاديثه وعلّق عليه في كتاب سمّاه: (تمام المنّة في التّعليق على فقه السّنّة) تضمّن جملة كبيرة من التّعقيبات والانتقادات أغلبها يتعلّق بالأحاديث الّتي يستدلّ بها، حيث أنّ السّيّد سابق لم يعزها إلى مصادرها ولم يبذل جهدًا في تحقيقها وتخريجها.
وعمل الشّيخ الألباني في حدّ ذاته يُعدّ نوعًا من التّكريم للكتاب وصاحبه، فعلماء الحديث من قديم لا يخرِّجون أحاديث الكتب المغمورة أو الخاملة الذِّكر،
-3-
إنّما يخرِّجون أحاديث الكتب الّتي لها قيمة ووزن علميّ وشهرة عند أهل العلم وجماهير النّاس.
وعلى الرّغم من أنّ الشّيخ الألباني نقد الكتاب في مواضع منه إلاّ أنّه أثنى عليه وعلى طريقته، وكتب في مقدِّمة كتابه (تمام المنّة): (أمّا بعد، فإنّ كتاب "فقه السّنّة" للشّيخ سيّد سابق من أحسن الكتب الّتي وقفت عليها ممّا أُلِّف في موضوعه، في حسن تبويب وسلاسة أسلوب، مع البعد عن العبارات المعقَّدة الّتي قلّما يخلو منها كتاب من كتب الفقه، الأمر الّذي رغب الشّباب المسلم في الإقبال عليه والتّفقّه في دين الله به، وفتح أمامهم آفاق البحث في السّنّة المطهّرة، وحفّزهم على استخراج ما فيها من الكنوز والعلوم الّتي لا يستغني عنها مسلم أراد الله به خيرًا كما قال صلّى الله عليه وسلّم: "من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين". ولقد كان صدور هذا الكتاب فيما أرى ضرورة من ضرورات العصر الحاضر، حيث تبيّن فيه لكثير من المسلمين أن لا نجاة ممّا هم فيه من الانحراف والاختلاف والانهيار وتغلّب الكفّار والفسّاق عليهم إلاّ بالرّجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، يأخذون منها فقط ومن القرآن أمور دينهم ومسائل فقههم، فكان لهذا لا بدّ لعامّتهم من مصدر قريب التّناول، يمكن الاعتماد عليه، والرّجوع إليه حين يقتضيهم الأمر، ويغنيهم عن المراجعات الكثيرة في الموسوعات العديدة، فكان أن ألهم الله تعالى الأستاذ السّيّد سابق فأخرج لهم هذا الكتاب "فقه السّنّة" فقرّب لهم الطّريق وأنار لهم السّبيل جزاه الله خيرًا. من أجل ذلك كنت ولا أزال أحضّ على اقتنائه والاستفادة ممّا فيه كلَّ راغبٍ في السّنّة وناصر للحقّ، حتّى انتشرت نسخه بين صفوف إخواننا السّلفيّين وغيرهم في دمشق وغيرها من البلاد السّوريّة...).
وأختم هذه المقالة بكلمات عذبة وعبارات جميلة كتبها أحد دعاة مصر المعاصرين، وهو الشّيخ حسن أحمد عبدالرّحمن – في تقديمه للجزء الأوّل من الكتاب في طبعته الأولى الّتي صدرت سنة 1365هـ – منوِّهًا بمنهج السّيّد سابق ومثنيًا على طريقته في عرض الفقه وتحبيبه إلى النّاس، قال رحمه الله:

-4-
(وإنّ من ألطف الأساليب وأنفعها، وأقربها إلى القلوب والعقول في دراسة الفقه الإسلاميّ – وبخاصّة في أحكام العبادات وفي الدّراسات العامّة الّتي تُقدَّم لجمهور الأمّة – البعد به عن المصطلحات الفنّيّة والتّفريعات الكثيرة الفرضيّة، ووصله ما أمكن ذلك بمآخذ الأدلّة من الكتاب والسّنّة في سهولة ويسر، والتّنبيه على الحِكَم والفوائد ما أُتيحت لذلك الفرصة، حتّى يشعر القارئون المتفقِّهون بأنّهم موصولون بالله ورسوله، مستفيدون في الآخرة والأولى، وفي ذلك أكبر حافز لهم على الاستزادة من المعرفة والإقبال على العلم. وقد وفّق الله الأخ الفاضل الأستاذ الشّيخ السّيّد سابق إلى سلوك هذه السّبيل، فوضع هذه الرّسالة السّهلة المأخذ، الجمّة الفائدة، وأوضح فيها الأحكام الفقهيّة بهذا الأسلوب الجميل، فاستحقّ بذلك مثوبة الله إن شاء الله، وإعجاب الغيورين على هذا الدّين، فجزاه الله عن دينه وأمّته ودعوته خير الجزاء، ونفع به، وأجرى على يديه الخير لنفسه وللنّاس، آمين).

آخر أخبار الشيخ د.خالد السعد

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • أمّة لا تعرف اليأس ولا الانكسار

    2022-05-19

    يمرّ عالمنا الإسلاميّ في هذه الحقبة من الزّمن بحوادث تقطّعت لها نياط القلوب، واستنزفت طاقات الأمّة، وتسبّبت في تعكير مشاعر المسلمين وأفكارهم، حتّى أصيب بعضهم بعقدة النّقص والدّونيّة واضطراب الشّخصيّة، وآخرون غلب عليهم الإحساس بالخيبة والإحباط وفقدان ...

  • التّعاهد على الطّاعات والقربات

    2021-10-16

    لم يخل جيل من أجيال هذه الأمّة المحمّديّة المباركة – الّتي أكرمنا الله تعالى بالانتساب إليها – من أصحاب المواقف الإيمانيّة، ومن أهل الصّلاح والدّعوة إلى المعروف، والإخلاص والحماسة للدّين. وفي هذا الجيل الّذي نحن فيه – حيث الفتن الّتي يرقّق بعضها بع...

  • تراتيل تفنّد الأكذوبة الكبرى

    2021-08-17

    لا يرتاب دارس للإسلام أو مطّلع على مصادره، في أنّ القول بالدّين الإبراهيميّ العالميّ، الّذي يجمع الإسلام مع النّصرانيّة واليهوديّة تحت مظلّة واحدة، هو من أكذب الأقوال الّتي ظهرت في عصرنا ومن أضلّها. إذ كيف يمكن الجمع بين من يرغب عن ملّة إب...

  • ماذا يعني ارتداد الفنّانة الخليجيّة وتهوّدها؟

    2021-05-16

    أفلح الغزو الثّقافيّ في تلويث أفكار وعقول فئة من أبناء المسلمين، ولشدّة تأثيره صار البعض منهم ينقلب بين عشيّة وضحاها من الإيمان إلى الكفر، وهو ما حذّرنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينما قال: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرّ...